أخبار تركيا الدولية

قمة سوتشي وسير العلاقات التركية الروسية

قمة سوتشي وسير العلاقات التركية الروسية

شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية  :

التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي، في 29 سبتمبر/أيلول الجاري، وجرى اللقاء وجها لوجه لأول مرة بعد فترة انقطاع اللقاءات المباشرة جراء تفشي وباء كورونا، ما سبب تراكم العديد من الملفات.

شكلت القضايا المتعلقة بالعلاقات الثنائية جزءا من هذه الملفات المتراكمة، إضافة إلى التطورات الإقليمية والدولية.

وعلى الرغم من عدم طرحه على جدول الأعمال إلا أن هذا اللقاء حمل أهمية أخرى تمثلت في أن عام 2021 صادف الذكرى المئوية لتأسيس العلاقات الرسمية التركية الروسية.

ومن جانب آخر، كان من اللافت، الأهمية المتزايدة لسوتشي بين المدن الروسية بعد موسكو وبطرسبرغ، حيث استضافت العديد من مؤتمرات القمة والاجتماعات الدبلوماسية الهامة.

وكما هو معروف فإن التعاون يتعزز بين الطرفين في مجالات التجارة والسياحة والدفاع والطاقة والثقافة، منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من حدوث بعض المشاكل من وقت لآخر، يمكن القول إنه تم قطع مسافة كبيرة في مجالات التعاون المذكورة.

بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 20.8 مليار دولار عام 2020، حيث انخفض مع تأثير الوباء بنحو 20 بالمائة مقارنة بعام 2019.

وتحتل تركيا المرتبة السابعة بين شركاء روسيا في التجارة الخارجية، ورغم أنه من غير المحتمل على المدى القصير الوصول إلى مستوى 100 مليار دولار الذي استهدفه البلدان لسنوات عديدة، إلا أنهما مستعدان لمواصلة العمل لتحقيق هذا الهدف.

كما أن الاستثمارات المتبادلة تتزايد كل عام، حيث بلغ إجمالي استثمارات تركيا في روسيا 1.5 مليار دولار، في حين أن استثمارات روسيا في تركيا وصلت حوالي 6 مليارات دولار.

وعلى الرغم من انخفاض عدد السياح الروس الذين زاروا تركيا خلال العامين الماضيين (6.8 مليون في عام 2019)، فقد زار ما يقرب من 2.5 مليون مواطن روسي تركيا في الأشهر التسعة الأولى من عام 2021.

وفي مجال الطاقة يتواصل التعاون بأقصى سرعة، وشدد الزعيمان خلال لقائهما على أن مشروع “السيل التركي” كان قرارا صائبا، في إشارة إلى أزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا.

ورغم تطور التعاون، فإن كلا من تركيا وروسيا لهما مقاربات وسياسات مختلفة تجاه التطورات في مناطق القوقاز والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والبحر الأسود، التي تعد ذات أهمية لكلا البلدين منذ القدم ومحل صراع على مر التاريخ.

وهذا الأمر يضع الأطراف وجهاً لوجه امام المشاكل الممتدة من سوريا إلى أفغانستان، ومن شبه جزيرة القرم إلى القوقاز. والسبب في ذلك أن موسكو اتبعت سياسة خارجية أكثر نشاطا، مما زاد من نفوذها في كل من الجغرافيا السوفيتية السابقة وفي المناطق التي كان السوفييت مؤثرين فيها، واعتبار موسكو هذه المناطق “خطا أحمر” لأمنها، ومن ناحية أخرى تحتل مناطق القوقاز والبحر الأسود والشرق الأوسط صدارة المناطق التي كانت ذات أهمية كبيرة لتركيا منذ القدم وخاصة من حيث مصالحها الأمنية.

-الموضوعات التي تم تناولها في القمة

أمام جميع هذه المناطق المضطربة، لا شك أن التطورات في سوريا تبرز كأهم القضايا المطروحة على طاولة المباحثات. وعلى الرغم من عدم وجود معلومات واضحة؛ إلا أن القضية السورية ربما كانت أهم جدول أعمال اجتماع أردوغان وبوتين.

ومما يعزز هذا الاستنتاج، زيارة بشار الأسد رئيس النظام في سوريا إلى موسكو قبل نحو أسبوعين واستمرار الضربات الجوية للقوات الجوية الروسية في إدلب.

وفي هذا السياق، تتهم أنقرة كلا من روسيا والولايات المتحدة بدعم تنظيم “ي ب ك/ بي كا كا”، في حين يقول المسؤولون الروس إن تركيا لم تف بوعدها الذي حال دون السيطرة على إدلب، وأنه ينبغي ان لا تدعم تركيا المعارضة السورية.

في الواقع إن هذه الاتهامات متبادلة منذ سنوات، ويتم طرحها على جدول الأعمال من خلال تجديدها من حين لآخر وفقا لمسار العلاقات والتطورات في المنطقة.

وفي هذا السياق، فإن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن الأطراف تمكنت من تجنب صراع كبير على الرغم من كل التوترات التي حدثت من وقت لآخر.

كما يشدد الزعيمان على أن السلام في المنطقة يؤثر على بلديهما، وأنهما سيواصلان محادثاتهما بشأن القضية السورية، وإن كان ذلك محفوفا بالمصاعب، وأنهما توصلا إلى اتفاق جديد.

ويبدو أن اجتماع مجلس الوزراء (برئاسة أردوغان) المقرر عقده في أنقرة، 30 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، واجتماع أردوغان وبايدن المقرر عقده في الأسابيع المقبلة، سيكونان حاسمين للمسار الذي سيجري في سوريا من الآن فصاعدا.

ووصف الزعيمين (أردوغان وبوتين) للاجتماع بأنه كان “مثمرا ومفيدا للغاية”، هو أيضا إشارة إلى أنه يمكن إحراز تقدم في إدلب.

وبعد الملف السوري، تأتي مسألة شبه جزيرة القرم ثاني أكبر القضايا إشكالية بين البلدين.

ومع ذلك، صرح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن هذه القضية لم تتم مناقشتها في قمة سوتشي. وبهذا التصريح، قد يحاول المسؤولون الروس إرسال رسالة سياسية حول استمرار الوضع الراهن.

وفي واقع الأمر، وبعد خطاب الرئيس أردوغان بشأن شبه جزيرة القرم أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذكر المسؤولون الروس في تقييمهم للخطاب عن هذا الشأن أن مثل هذه التصريحات لن تفيد العلاقات الروسية التركية من جهة، ومن جهة أخرى قالوا إن التصريح لم يكن ذا أهمية كبيرة، وأن الوضع الحالي في القرم لن يتغير.

من ناحية أخرى، يتابع الكرملين عن كثب التعاون العسكري المتزايد بين تركيا وأوكرانيا في الأشهر الأخيرة أكثر من اهتمامه بالتصريحات الصادرة حول وضع شبه جزيرة القرم.

وهذا ما يتجلى على لسان الصحافة الروسية التي تعرب صراحة عن عدم ارتياحها لهذا التعاون، وبشكل عام، تعتبر موسكو تركيا كجسر يربط بين أوكرانيا وجورجيا مع حلف شمال الأطلسي الناتو.

ولذلك، فإن شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسية S-400 وتدهور علاقاتها مع حلفائها في الناتو، تعد تطورات تحظى بتقييم إيجابي من موسكو.

ويحمل ملفا أذربيجان – أرمينيا، وأفغانستان، أهمية كبيرة لتركيا وروسيا، فبالرغم من أن هذين الملفين لم يسفرا عن مشاكل كبيرة بين البلدين مقارنة مع الملف السوري، يعتبر تطوير تركيا علاقاتها العسكرية مع أذربيجان، وافتتاحها قنصلية في مدينة شوشة، وإجرائها مناورات عسكرية مشتركة معها، تطورات لا ترغب روسيا برؤيتها في المنطقة.

ولذلك، صرح بوتين إنه تم التوصل إلى اتفاق مع تركيا حول سوريا وليبيا وقره باغ، رغم صعوبة إجراء اللقاءات معها، وإنه تم إحلال السلام في القوقاز بمساعي روسيا وتركيا، لكن يجب ألا ننسى أنه لم يتم حل المشكلة بشكل نهائي وأنه سيتم تناولها بأبعاد مختلفة تماما وأن أنقرة وموسكو قد لا تقفان في نفس الجانب في المستقبل.

– تدخل الرئيسين في المكان والزمان المناسبين يمنع الأزمات

وينطبق الوضع بالنسبة للملف الأفغاني أيضا، فعلى الرغم من أن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة قد يخدم مصلحة روسيا للوهلة الأولى، إلا أن موسكو قلقة من سيطرة طالبان التي تصنفها كحركة إرهابية، على مقاليد الحكم بالبلاد، ما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى، وهو الأمر الذي يوليه الكرملين أهمية كبرى.

وفي الواقع، فإن عدم رضى شعوب بعض الجمهوريات مثل طاجيكستان وتركمانستان عن الأنظمة الحاكمة الحالية من العوامل التي تحضر الأرضية لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولذلك فإن المسؤولين الروس يسعون من جهة لتطوير علاقات التعاون العسكري مع جمهوريات آسيا الوسطى، ويشاركون مع تركيا مخاوفهم في المنطقة من جهة أخرى.

وكما يبدو، ففي الوقت الذي تتطور فيه العلاقات التركية الروسية في مجالات كثيرة ومرتبطان ببعضهما في مجالات مثل التجارة والطاقة والدفاع والسياحة، لكن من ناحية أخرى تتعارض مصالح تركيا مع روسيا إزاء التطورات في المنطقة.

بالرغم من تقارب تركيا وروسيا، بسبب خلافاتهما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتحركهما سوية في مناطق مثل الشرق الأوسط، والقوقاز، إلا أنه يصعّب حل بعض المشاكل بشكل نهائي كما هو الحال في الملف السوري.

لكن من أهم العوامل التي تدعو للتفاؤل حول مستقبل العلاقات التركية الروسية في المرحلة الجديدة، هو تدخل رئيسي البلدين بشكل فوري في الوقت الذي تتزايد فيه المشكلات بينهما.

ويعتبر التدخل في المكان والزمان المناسبين، العامل الأكبر الذي ساهم في عدم دخول البلدين في مواجهة ساخنة، الأمر الذي يصفه خبراء روس بـ”المعجزة”، حيث أن التصريحات الإيجابية للرئيسين عقب اللقاء أمس يعد مؤشرا على استعداد الطرفين لحل جميع القضايا بواسطة الحوار، خاصة وأن السلام في المنطقة يعتمد بشكل كبير على هذين البلدين، ويصب في مصلحتهما.

**البروفيسور إلياس كمال أوغلو: أستاذ في قسم التاريخ بجامعة مرمرة

 

صفحتنا على فيس بوك

لمتابعة صفحتنا على تويتر

لمتابعة قناتنا والاشتراك بها على يوتيوب

لمتابعة قناتنا على تلغرام و الاشتراك بها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى