مع تقارب أنقرة والقاهرة.. هل تستفيد المعارضة المصرية؟
مع تقارب أنقرة والقاهرة.. هل تستفيد المعارضة المصرية؟
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
منذ إعلان تركي، قبل أسبوع، عن مساعٍ للتقارب بين أنقرة والقاهرة، أعربت قوى معارضة مصرية، بينها جماعة الإخوان المسلمين، عن ترحيبها بهذه الخطوة، بل وقبولها، للمرة الأولى، بوساطة تركية في حال عُرضت لحلحلة أزمة معقدة في مصر تتجاوز 7 سنوات.
وفي ثنايا تصريحات من أعلى هرم جماعة الإخوان، نائب مرشدها، إبراهيم منير، ومعارضين بارزين آخرين، يمكن ملاحظة وجود أمل باستثمار “فرصة مفصلية” (التقارب)، بحسب مراقبين، لتحسين ملف ملح للجماعة أمام أنصارها، وهو ملف المعتقلين والحريات بشكل عام.
ومنذ صيف 2013، تواصل الجماعة معارضتها للنظام القائم في مصر، عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل، محمد مرسي، المنتمي للإخوان، وتقود حراك المعارضة بالخارج، كما تتواجد قياداتها البارزة في دول عديدة، منها تركيا، منذ سنوات، ودشنت مع رموز معارضة منصات إعلامية وحقوقية.
ومع تراجعات جذرية ومستمرة في حراكها الشعبي داخل مصر، تتحرك الجماعة بشكل لافت على مستويات بارزة إعلاميا وحقوقيا، تركز على ما يقدره الإخوان بـ”نحو 60 ألف معتقل” في السجون المصرية، وأغلبهم ينتمون للجماعة، وبينهم قيادات عليا فيها، كمحمد بديع، المرشد العام للجماعة، ونائبه خيرت الشاطر.
وقبول الإخوان وقوى معارضة أخرى بوساطة تركية محتملة هو أول قبول علني بوساطة دولة منذ أزمة صيف 2013، ويعبر عن ثقة بأنقرة.
وهو ما لم تعلق عليه رسميا أنقرة ولا القاهرة، التي تتخذ موقفا رافضا بشدة للجماعة وتواجدها المستقبلي.
وعادة ما تنفي القاهرة وجود معتقلين سياسيين لديها أو وجود حقوق للجماعة، وتعتبرها “محظورة” منذ صيف 2013، مع استمرار كل طرف في رفض الاعتراف بالآخر.
** الملف الحرج
بعد أيام من إعلان أنقرة بدء اتصالات دبلوماسية مع القاهرة لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، خرج نائب مرشد الإخوان بتصريحات متلفزة غير مسبوقة، السبت والأحد.
وقال منير إنه يثق في تركيا ويقبل وساطتها حال طُرحت لحلحلة ملفات مرتبطة بـ”المعتقلين وأصحاب الدم (يقصد ضحايا فض اعتصامي 2013 وما تلاهما من أحداث)، وتحسين أحوال الناس”.
وأضاف أن “النظام التركي يعلم أن هناك مظالم كثيرة، وأعتقد أن أي تقارب سيحاول إيجاد حلول لهذا (..) في النهاية نشكر من يقدر على أي حلحلة”.
وشدد منير على أن المنطقة تحتاج إلى هدوء، وهناك مخاوف من تقسيم يطول دولا فيها، مثل مصر.
وتابع: “إذا عُرض على المعارضة كلها، ونحن جزء أساسي منها، ما ييسر الأمر على الشعب المصري والمعتقلين وأصحاب الدماء، بالتأكيد لن نرفض، وإذا رفضنا نكون مخطئين”.
ومرحبا بوضوح أكثر، تساءل مدحت الحداد، عضو شوري الإخوان (أعلى هيئة رقابية بالجماعة)، في مقابلة مع قناة “وطن” الناطقة باسم الجماعة الأحد: “بالله عليك لو أي مسؤول يسمع أن هناك مصالح للشعبين (المصري والتركي من هذا التقارب) هل يمكن تضييعها؟”.
وأردف الحداد أنه يعتقد أن تركيا يمكن أن يكون لها “دورا في تبريد الملف المصري”، مرجحا “حدوث تهدئة في المسألة السياسية المصرية كلها، إذا تحسن التقارب بين أنقرة والقاهرة”.
فيما قال اتحاد القوى الوطنية المصرية، وهو يضم قوى معارضة عديدة، في بيان الأحد، إنه “لا يستبعد حرص تركيا أن تكون وسيطا نزيها في حل هذه الأزمة بوجهها الحقوقي والسياسي، حال تطور العلاقات بين الجانب المصري والتركي في المرحلة القادمة”.
وأشاد طارق الزمر و6 قيادات سابقين في حزب الجماعة الإسلامية السابق بمصر، عبر بيان، بتقارب أنقرة والقاهرة، مؤكدين أنه “لمصلحة الأمة الإسلامية”، ومعربين عن أملهم أن يكون “دافعا لرفع المظالم والإفراج عن المعتقلين”.
** سياقات القبول
تلك التصريحات تكشف أولا عن ثقة المعارضة المصرية في “الوسيط التركي”، باعتبار أنه نزيه ومتفهم لمطالبها واحتضنها خلال نحو 7 سنوات من دون أزمات، وهو ما دفعها إلى الحديث بتلك الجرأة غير المعهودة في ملف ظل مجمدا لسنوات.
وفي ظروف تراجع المعارضة، لأسباب ذاتية وأخرى مرتبطة بالمناخ السياسي، فإن القبول بمبادرة وساطة تركية محتملة هو بمثابة “طوق نجاة”، أمام أنصار المعارضة لحلحلة ملف “المتعلقين والحريات”.
كما سيساعد المعارضة على تجاوز فاتورة عدم تحقيق إنجاز ملموس في ذلك الملف المتعثر، بجانب عدم إحراج المضيف (تركيا) ومصالحه دوليا، والتي تؤكد أنقرة عادة أنها لن تتقاطع مع حقوق الإنسان.
ولذلك جاءت تعليقات المعارضة المصرية في إطار حقوقي إصلاحي، وهو ما تتحمله أي محادثات محتملة ثنائية، من دون الاقتراب من مطالب رئيسية للمعارضة ظلت ترددها لسنوات، متعلقة بالإطاحة بنظام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
وتمثل هذه المقاربة تغييرا دراماتيكيا اعتبرت المعارضة أنه يأتي في سياق قراءة أوضاع المنطقة التي تحتاج إلى تهدئة، وفي ظل مخاوف من تقسيم قد يطول مصر.
ويبدو أن المعارضة، من واقع تصريحاتها، تقذف الكرة في ملعب النظام المصري، على أمل أن تخرج مستفيدة، سواء قبل أو رفض حلحلة ملفها الحرج (المعتقلين)، فحينها تقول إنها ليست الطرف الذي يعقد الأمور، ثم تعود إلى موقفها السابق.
وهذا الشعور المتصاعد بالأمل لدى المعارضة المصرية تجاه بادرة التقارب التركي المصري قد يبدو للوهلة الأولى متسقا مع تراجع طموحاتها بشأن صدور مواقف جذرية من الإدارة الأمريكية الجديدة، برئاسة جو بايدن، تجاه ملف حقوق الإنسان المصري، في ظل إعلان واشنطن مؤخرا تقديم دعم عسكري جديد للقاهرة وإقامة تدريبات عسكرية معها، باعتبارها “حليفا هاما بالمنطقة”.
** مستقبل المشهد
المشهد برمته في المنطقة، لاسيما في اليمن، يبدو أنه يتجه إلى تهدئة وتسويات، ومنها الانفراجة السياسية في النزاع الليبي.
غير أن السيناريو المصري دراماتيكي لا يخضع لتصور كلاسيكي، بدليل أن الإخوان، المعارضة تماما للنظام المصري، أعلنت قبولها بوساطة تركية إن طُرحت.
كما أن النظام المصري، الذي لم يعلن موقفا واضحا بشأن تصريحات معارضيه، يشي صمته بأن الحوار معهم ليس أولوية حالية مع انطلاق تفاهمات مع أنقرة يعدها مراقبون مهمة.
لكن ليس مستبعدا أن يشهد المستقبل القريب انفراجة رسمية، وليس تهدئة أو تسوية، يكون المستفيد الأول فيها على أقل تقدير هو ملف الحريات المصري، بحسب تطلعات المعارضة.
وإن كان متوقعا أن القاهرة لن تقبل علنا بأحاديث بشأن ملفها الحقوقي، إلا أن تهدئة المعارضة المصرية إعلاميا وربما سياسيا، الفترة المقبلة، ستكون مشجعة للنظام على إحداث “انفراجة محسوبة”، واتخاذ قرارات لـ”بناء ثقة” تضع في اعتبارها أن لا تخذل طموحات مؤيديه، الذين يتخذون موقفا مناهضا من الإخوان ومعارضة الخارج، ولا تضر بمصالح مصر مع حلفائها أو بخطواتها المحتملة مع أنقرة نحو تعزيز العلاقات.
وبالتالي، فإن توقف طموح المعارضة، ولو تكتيكيا، عند حدود إيجاد انفراجة في ملفها الحرج، هو بحسب مراقبين أمر ضروري، خاصة وأن النظام، المستقر داخليا والمدعوم دوليا، ليس مجبرا على ذلك.
وختاما، حال أدارت المعارضة المصرية فرصتها المفصلية (تقارب أنقرة والقاهرة) بأسلوب ارتجالي أو بطريقة استراتيجية، فليس أمامها، وفق مراقبين، سوى إمكانية أن تنتقل من مربع المناداة بالتغيير الجذري إلى الإصلاح التدريجي، بعد سنوات من “لاشئ” طالت الجميع.