علاقات قطر وتركيا أقوى من أي وقت مضى
علاقات قطر وتركيا أقوى من أي وقت مضى
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
عند السير في شوارع الدوحة، لا يسع المرء إلا أن يلاحظ الوجود المتزايد للمواطنين والشركات التركية في العاصمة القطرية.
وتعود العلاقات التركية القطرية إلى أواخر القرن التاسع عشر عندما فكرت الدولة العثمانية ضم الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك قطر الحالية، إلى إمبراطوريتها الشاسعة.
وبعد بضعة عقود من التوتر والصراع، وأحيانًا السلام والتعاون، تخلى العثمانيون عن مطالباتهم بشأن قطر في يوليو 1913.
** التجارة على مر الزمن
العلاقات الاقتصادية بين البلدين كانت محدودة حتى القرن الحادي والعشرين.
ومع بداية هذا القرن، برزت قطر كطرف رئيسي في السوق العالمية للغاز الطبيعي المسال، في حين تمكنت تركيا من معالجة التضخم المفرط المستمر والمؤسسات الضعيفة التي شلت الاقتصاد، خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
وأتاح الارتباط الناشئ بين النمو الاقتصادي والاستقرار في البلدين فرصًا جديدة للتعاون التج
اري والاقتصادي.
وفي عام 2000، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 38 مليون دولار فقط. وبحلول 2016، ارتفع بأكثر من 27 ضعفًا.
** تعزيز التجارة
عام 2019، وكنتيجة مباشرة للحصار الذي قادته السعودية على قطر في يونيو 2017، قفز حجم التبادل التجاري بين تركيا وقطر إلى نحو 2.2 مليار دولار (انظر الجدول رقم 1).
ولم تكن هذه الزيادة السريعة متشابهة في كلا الجانبين. وكما هو مبين في الجدول رقم 1، شهد العقد الماضي ارتفاعًا مستمرًا في حجم الصادرات التركية إلى قطر، حيث سجلت معدل نمو هائل بنسبة 587٪ بين 2011 و2019.
بينما شهد حجم الصادرات القطرية إلى تركيا صعودًا وهبوطًا من عام إلى آخر، وهو ما يعكس الطبيعة المتقلبة لأسعار الغاز الطبيعي المسال في الأسواق العالمية.
ومع ذلك، سجلت صادرات قطر إلى تركيا ارتفاعًا إجماليًا بنحو 25٪ خلال الفترة نفسها (انظر الجدول رقم 1).
جدول رقم 1 – حجم التبادل التجاري بين قطر وتركيا من 2011 إلى 2019
العام
صادرات قطر إلى تركيا
(مليون دولار)
صادرات تركيا إلى قطر
(مليون دولار)
2011
737.53
188.14
2012
1,187.76
257.33
2013
528.95
244.08
2014
1,037.70
344.71
2015
918.04
423.10
2016
379.31
349.14
2017
538.67
648.91
2018
1,075.05
1,096.42
2019
910.35
1,293.13
المصدر: اتجاه الإحصائيات التجارية الصادر عن صندوق النقد الدولي
وبالنظر إلى ذلك من منظور مختلف، لم يشهد حجم التبادل التجاري بين البلدين ارتفاعًا فحسب، بل أصبح الاقتصادان أيضًا شريكين تجاريَّين أكثر أهمية لبعضهما البعض.
ويتجلى ذلك من خلال حقيقة أن حصة التبادل التجاري بين قطر وتركيا شهدت تزايدًا مستمرًا بين 2011 و2019 (انظر الرسم البياني رقم 1).
رسم بياني رقم 1. حصة التبادل التجاري القطري التركي من إجمالي حجم التبادل التجاري للبلدين من 2011 إلى 2019
وتوطدت العلاقات الاقتصادية المتنامية بين البلدين مع تعزز تعاون قطر مع الشركات العسكرية التركية بداية من 2002.
ومهدت الاتفاقيات الأخيرة التي وقعها البلدان في 2015 الطريق لإنشاء قاعدة عسكرية تركية في قطر.
ومع بداية الحصار الأخير لقطر، زاد الوجود العسكري التركي في قطر إلى حوالي 3,000 جندي.
** التأثير الجيوسياسي
ومن المهم أن ندرك أنه بالرغم من أن التعاون العسكري المتنامي بين البلدين كان نتيجة لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدوحة وأنقرة، إلا أن العلاقات على الجبهتين انطلقت إلى آفاق جديدة بعد الحصار.
وعلى الجبهات الثقافية أيضًا، تعزز التواجد التركي في قطر بوتيرة متزايدة. وحتى وقتنا هذا، تُدَرِس مدرستان في الدوحة المنهج التركي، لتلبية احتياجات السكان المتزايدين من الأتراك المقيمين والعاملين في الدوحة.
وأثارت الخطوات الأخيرة، التي اتُخذت لتطبيع العلاقات بين قطر والسعودية، تساؤلات ومخاوف بشأن طبيعة العلاقة بين قطر وتركيا.
وأكد المسؤولون القطريون أن أي تطبيع للعلاقات مع السعودية لن يؤثر على علاقاتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع تركيا.
والسبب وراء ذلك واضح، وهو أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية القطرية التركية شهدت نموًا كبيرًا خلال العقود الأخيرة.
ويمتلك البلدان مواقف متشابهة بشأن قضايا سياسية وأمنية عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة الخليج. فمثلاً:
في نوفمبر 2020، وقَّعت أنقرة والدوحة 10 اتفاقيات جديدة، بعد الاجتماع السادس للجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين، برئاسة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر. وبلغ عدد الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية والثقافية الموقعة بين البلدين 62 اتفاقية.
حتى 2019، كان هناك أكثر من 500 شركة ومؤسسة تركية عاملة في قطر، وأكثر من 170 شركة ومؤسسة قطرية عاملة في تركيا.
ستؤدي شركات البناء التركية دورًا رئيسيًا في إنجاز مشاريع تطوير البنية التحتية في قطر قبل انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها قطر.
ومنذ 2002، وُقِّعت عقود بناء بين قطر وتركيا تجاوزت قيمتها 18 مليار دولار. وفي 2019، كانت قطر سابع أكبر سوق إنشاءات للشركات التركية بمشاريع بلغت قيمتها حوالي 1.5 مليار دولار.
في مايو 2020، ارتفعت قيمة اتفاقية تبادل العملات بين تركيا وقطر من 5 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار. وساعد ذلك تركيا على دعم بورصتها وأسواق المال لديها وتخفيف الضغوط الأخيرة الناجمة عن انخفاض قيمة الليرة.
هذا بالإضافة إلى تعهد قطر باستثمار 15 مليار دولار في الأسواق التركية.
وخلال العقدين الماضيين، بلغ إجمالي الاستثمار القطري المباشر في تركيا 3 مليارات دولار، ومن المتوقع زيادة هذا الرقم في المستقبل.
تتميز العديد من السلع والخدمات المتداولة بين البلدين بطبيعتها الاستراتيجية والحيوية لاستقرار اقتصاد البلدين ورفاهية سكانهما.
فعلى سبيل المثال، تشتمل الواردات القطرية الرئيسية من تركيا على الحديد والصلب، والآلات والمعدات الكهربائية، وخدمات البناء، والسياحة، والأدوات والمعدات، ومنتجات الألبان، والخضروات والفواكه.
من ناحية أخرى، تشتمل الواردات التركية من قطر على الغاز الطبيعي المسال والزيوت البترولية ومنتجاتها. وتتطلع تركيا إلى قطر باعتبارها أفضل بديل لها في تقليل الاعتماد على واردات الغاز من روسيا على المدى الطويل.
أخيرًا، لن تنسى الذاكرة التاريخية للقطريين أبدًا أنه بعد أن أغلق العديد من جيرانهم حدودهم الجوية والبرية والبحرية من وإلى قطر في شهر رمضان 2017، سارعت تركيا إلى دعم قطر بالمنتجات الغذائية، وخاصة الألبان، والدواجن، والفاكهة، عبر الحدود الجوية والبحرية الإيرانية مع قطر.
** مستقبل التجارة
ويمكن القول إن العلاقات الاقتصادية والأمنية والثقافية بين قطر وتركيا باتت أقوى بكثير من أي وقت مضى، وليس من المتوقع أن يؤدي أي شكل من أشكال التطبيع بين قطر والسعودية ودول الحصار الأخرى إلى حدوث أي تغييرات جذرية في هذه العلاقة.
وإيمانًا منها بهذه الحقيقة، رحبت تركيا بالخطوات الأخيرة التي اتُخذت لإنهاء الحصار المفروض على قطر على أساس أنه سيساهم في استقرار وأمن وازدهار منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وخلق التقارب بين قطر والسعودية، إلى جانب التغيير في الإدارة الأمريكية، التي باتت تفضل الدبلوماسية والحوار على الإكراه والصراع، والعرض الأخير الذي قدمته قطر لإعادة المحادثات بين إيران ودول الخليج العربي، فرصًا جديدةً يجب اغتنامها لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة الخليج. ولا شك في أن تركيا سيكون لها دور متزايد الأهمية من المتوقع أن تؤديه على هذه الجبهة.
——————-
أمين محسني تشيراغلو.. أستاذ مساعد الاقتصاد والتمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة في قطر.