متحف سيرتا.. شاهد تاريخي على احتلال فرنسا للجزائر
متحف سيرتا.. شاهد تاريخي على احتلال فرنسا للجزائر
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
مدينة العلم والعلماء، عاصمة الجسور المعلقة، ألقاب عدة كثيرة تطلق على محافظة قسنطينة شرقي الجزائر، والتي تضم أحد أقدم وأكبر المتاحف في إفريقيا والعالم.. “متحف سيرتا” الذي يروي حضارة الجزائر ويُذكّر باحتلال فرنسا لها.
يقع المتحف الوطني الحكومي “سيرتا” في قلب قسنطينة، ويعدّ ثاني أكبر متحف في إفريقيا بعد المتحف المصري في القاهرة، بحسب متخصصين.
قصة المتحف
المعلم عبارة عن بناية مربعة الشكل تتربع على مساحة مقدارها 2100 متر مربع، منها 1200 متر للبناية و900 متر للحديقة.
عندما أرادت فرنسا الاحتفال بمئوية احتلالها للجزائر (الذي بدأت عام 1830)، أنشأت هذا المتحف بعد طلب قدمته آنذاك الجمعية الأثرية (التي أنشأها الاستعمار الفرنسي عام 1852 بقسنطينة)، حيث استمرت الأشغال فيه من عام 1929 إلى 1931.
وحمل المتحف، بدايةً، اسم غوستاف ميرسي، مؤسس الجمعية الأثرية في قسنطينة.
تجولت “الأناضول” في المتحف بمعية عبد الحق شعيبي، محافظ التراث الثقافي بالمتحف سابقا (قبل تعيينه مديرا لمتحف محافظة أخرى)، وتلقت شروحات حوله ومحتوياته.
ويوضح شعيبي، خريج كلية الآثار والتاريخ بجامعة قسنطينة، أنه “بعد استقلال الجزائر عام 1962، أطلقت السلطات على المتحف اسم “سيرتا”، وهو الاسم القديم لمدينة قسنطينة”.
7 آلاف قطعة أثرية
ويشير شعيبي إلى أنّ “المتحف، من حيث قيمة آثاره، يُعد من أكبر المتاحف العالمية، إذ يضم أكثر من 7 آلاف قطعة أثرية، تُمثل مختلف الحقب، بدءا من قبل التاريخ إلى المرحلة الحديثة والمعاصرة.”
ويلفت إلى أنّ “مصمم المتحف مهندس معماري ذو أصول إيطالية، يدعى كاستيلي، وهو من اختار المكان بدقة وعناية لكونه يتوسط المدينة التاريخية”.
يضم “سيرتا” حديقة فيها 202 قطعة أثرية، و14 قاعة، كل قاعة تحتوي مجموعات أثرية من بينها قاعة ما قبل التاريخ و”ماسينيسا” و”الفن العالمي”.. وغيرها.
ويقول شعيبي إن ميزة المتحف أنّه يضم كل الحقب التاريخية، مثل ما قبل التاريخ، النوميدية (مملكة أمازيغية قديمة)، الرومانية، الوندالية (دولة ظهرت بشمال إفريقيا بين عام 429 و533م)، والحقبة الإسلامية، ثم الحديثة والمعاصرة، ولذلك صنفته “يونسكو” (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) من أجمل وأثرى المتاحف العالمية، في إفريقيا بعد المتحف المصري.
وتضم قاعة الحقبة الرومانية كل ما يتعلق بالزينة عند المرأة في تلك الفترة، مثل إبر الخياطة، أدوات التجميل، الحلي، الأمشاط المصنوعة من عظام الحيوانات، تماثيل نصفية لآلهة رومانية، أقفال.. وغيرها”.
وفي قاعة الملك ماسينيسا، تتجلى صورة قديمة لضريح ماسينيسا (الفترة النوميدية حوالي 250 قبل الميلاد) غير مكتملة، حيث يبلغ طولها الأصلي نحو 29 مترا، ولكن الزلازل عبر الأزمنة تسببت بانهيار بعض أجزائه، وفق شعيبي.
والملك ماسينيسا هو أول ملوك نوميديا (46-202 قبل الميلاد)، ولد بمحافظة خنشلة (حاليا) شرقي الجزائر، ثم انتقل إلى قسنطينة، حيث اتخذها عاصمة للمملكة النوميدية، توفي عام 148 قبل الميلاد في المدينة ذاتها.
“وفي 1915 قام الفرنسيون بفتح الضريح ودخلوا قاعة الدفن واستخرجوا أثاثا جنائزيا، مثل سيف مهشم، رؤوس رماح، خوذة، درع، وأوسمة وإناء من فضة..”، بحسب المحافظ.
ويلفت شعيبي إلى أنّ “التحليل الكربوني للعظام يشير إلى أنّ الشخص المدفون في الضريح عمره 50 سنة، ويُرجح أنّه للملك ماسينيسا.”
كما تحتوي إحدى القاعات على لوحات قديمة، مثل لوحة “الأقواس الرومانية” لصاحبها روجار ماريوس دوبا (1906-1972)، ولوحة “خوانق واد الرمال” لماكسيم هورلين.. وغيرها.
الحقبة العثمانية
وتضم “قاعة قسنطينة” مجسما صغيرا للمدينة وشوارعها وبناياتها خلال الفترة العثمانية (1515-1830) وتحديدا بين عامي 1826–1848، إبّان حكم الحاج أحمد باي (بايلك قسنطينة)، لكن الاحتلال الفرنسي أجرى عليها تعديلات وشيّد مباني شاهقة حتى يغطي على العمارة العثمانية.
ويحتوي المتحف على 406 لوحات أصلية، أشهرها لوحة الرسام إيتيان دينيه “المسنات” و”الطبيعة الصامتة” التي تعد أقدم لوحة في الجزائر لجون بابتيست موني، بحسب المحافظ.
بلغ عدد زوار المتحف عام 2015 نحو 5 آلاف زائر، وحوالى 6 آلاف زائر عام 2016، وارتفع عددهم عام 2018 إلى 12 ألف زائر، فيما تراجع العدد في زمن كورونا، وفق شعيبي.
ويقول عبد المجيد بن زراي، المكلف بالاتصال في المتحف، إنّ “سيرتا” من أقدم المعالم بالجزائر، إذ يضم كما هائلا من الشواهد الأثرية لحضارات عريقة تعاقبت على المدينة منذ فجر التاريخ حتى الحقبة العثمانية.
ويشير بن زراري، لـ “الأناضول”، إلى أنّ “السكان، خصوصا شريحة الشباب منهم، لا يعيرون هذا المتحف اهتماما كبيرا، وثمة من يقطن منهم في قلب قسنطينة ويعترف بأنه لم يزره”.
ويرى أن “هذه الثقافة المتحفية الغائبة لدى فئة من المجتمع هي نتيجة تراكمات لسياسات تعليمية وثقافية سابقة”.
ووفقه، فإن “فرنسا الاستعمارية رسخت في أذهان الأهالي (السكان الأصليين) أن متحف سيرتا هو دار العجب (الخرافة)، حيث أصبح الأهالي يستصغرون أهميته ومكانته في المدينة”.
ويقول إن “الاعتقاد ترّسخ عند السكان لسنوات بأنّ كل ما في المتحف مجرد خرافة. لكن مع مرور الزمن وبفضل سياسات وزارة الثقافة، أصبح المواطن يهتم بالمتاحف وبالموروث الثقافي المادي واللامادي”.
ويشير إلى أنّ “المتحف يُنظم نشاطات على منصات التواصل الاجتماعي ونشر مطويات تعريفية وندوات ودورات تكوينية وغيرها.. للتعريف بأهمية المتاحف والموروث الثقافي”.
من جانبه، يرى الإعلامي المتخصص في الشأن الثقافي فيصل مطاوي أنّ “متحف سيرتا أحد أجمل المتاحف في الجزائر وإفريقيا والعالم العربي والعالم”.
ويقول مطاوي لـ “الأناضول”: “يضم قطع أثرية قديمة جدا، وفيه أقدم لوحة تعود إلى العام 1600، كما أنّه يؤرخ لكل الحقبات”.
ويضيف: “يمكن تسمية متحف سيرتا بمخزن تاريخ الجزائر وذاكرتها”.
ووفق مطاوي، “يجب أن يكون المتحف قبلة للسواح الذين يزورون قسنطينة العتيقة، فهو فضاء مهم ويستحق الزيارة”.