حطام مستشفى الشفاء.. رد الاحتلال على قرارات العدل الدولية
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
لن تغادر ملامح الصدمة والهلع معالم وجهك فور وصولك إلى أي من الطرقات المؤدية إلى مستشفى الشفاء في حي الرمال غربي مدينة غزة.
فالجيش الإسرائيلي أحرق ودمر كل ما تقع عليه عيناك في المستشفى ومحيطها و”كأن قنبلة نووية ضربت المنطقة”، أو رد عملي على قرارات المحكمة الدولية.
وفجر الاثنين، انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من داخل مجمع الشفاء الطبي والمناطق المحيطة به غربي مدينة غزة.
وأفاد شهود عيان لمراسل الأناضول، بأن قوات الجيش الإسرائيلي انسحبت بشكل كامل من داخل مستشفى الشفاء والأحياء السكنية المحيطة بها باتجاه مناطق جنوب حي تل الهوى، جنوبي غرب مدينة غزة.
المشهد من السماء يظهر تدفق آلاف الفلسطينيين سيراً على أقدامهم مع أولى لحظات شروق الشمس من مناطق شرقي وشمالي مدينة غزة إلى مستشفى الشفاء ومحيطها لتفقد منازلهم ومن تبقى من أفراد عوائلهم وما خلفه اقتحام الجيش الإسرائيلي للمنطقة على مدار 14 يوماً.
هؤلاء الفلسطينيون كانوا يسيرون بين تلال عملاقة من الركام ومبان شوهتها القذائف واخترقتها طلقات الرشاشات الثقيلة وأخرى متفحمة بعد أن التهمتها نيران أشعلها الجنود الإسرائيليون على مدار 14 يوماً، على جانبي الطريق في شارعي “الوحدة” و”عمر المختار” الموصلان من شرق المدينة إلى المستشفى وشارعي “عز الدين القسام” و”النصر” المؤديان من الشمال للمنطقة.
بداية من مفترق “بالميرا” على شارع “الوحدة” وهو الطريق الذي سلكناه تظهر ملامح الدمار الشامل وتنبعث من كل مكان روائح لتحلل جثامين عشرات الفلسطينيين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي وألقاهم في الطرقات أو لم يتمكن أحد من انتشالهم من تحت أنقاض المنازل والبنايات السكنية المقصوفة.
حاول الفلسطينيون وضع كمامات وقطع قماش مبللة بالمياه على وجوههم لتجنب تلك الروائح ولكن دون فائدة فبعضهم فقد وعيه وآخرون أصيبوا بالغثيان الشديد ففي كل مكان تقع عليه عيناك ستلحظ جثة متحللة أو اشلاء أو دماء متناثرة على الطرقات والحجارة المدمرة تحولت إلى اللون الأسود أو الأحمر القاني.
وحتى بنظرة فلسطيني اعتاد على مشاهد الحرب الفظيعة، لا يمكن احتمال رؤية هذا الكم من الدمار والحرائق والجثث الملقاة في الطرقات.
وفور الوصول إلى بوابة مستشفى الشفاء الرئيسية مع نهاية شارع “الوحدة” لن تجد تلك البوابة السوداء العملاقة على حالها فالجيش الإسرائيلي دمر أجزاء منها وحفر حولها حتى خرجت مياه الصرف الصحي، فيما تتناثر النفايات وقطع الحجارة الصغيرة المتناثرة من شدة القصف في كل مكان.
وخلف هذه البوابة جرف الجيش الإسرائيلي الساحة الأمامية للمستشفى ودمر حديقتها بشكل كامل حتى تحولت إلى مجرد أرض محروثة تمتزج مع ترابها بعض الأشلاء البشرية المتحللة فالدبابات الإسرائيلية كانت تحتل هذه الساحة وقتلت الكثير من النازحين الفلسطينيين فيها، كما يقول شهود عيان.
هذه الساحة كانت في الأيام الأولى من الحرب مقرا لعمل المئات من الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية والدولية حيث كانت تصل آلاف الإصابات يومياً بفعل الغارات الإسرائيلية، إضافة لإيوائها عشرات آلاف النازحين الذين دمرت منازلهم ولكنها الآن لم تعد تصلح لشيء ومن يمشي فيها عليه أن يتحسس موضع أقدامه خشية من انفجار قذيفة أو قنبلة من مخلفات جيش الاحتلال.
نظرة إلى اليمين قليلاً بعد الدخول من البوابة الشرقية للمستشفى ستجد مبنى الجراحات التخصصية وقد كان أحدث مباني مجمع الشفاء الطبي وأضخمها وأجملها، لكنه لم يعد كذلك فواجهته الرخامية المتفحمة تظهر حجم الدمار الهائل الذي أصابه بفعل قصفه وتفجير طوابق بداخله وإحراق ما تبقى منه.
الطابقان الأرضي والأول من المبنى تم تفجيرهما بشكل شبه كامل ولا يظهر منهما إلا بعض الأعمدة، فيما بقية الطوابق شهدت دمارا هائلا في غرفها قبل أن يحرقها جنود الجيش الإسرائيلي لتتفحم بالكامل.
وفي داخل المبنى تنبعث روائح نفاثة جراء تحلل جثامين عدد من الفلسطينيين الذين قتلهم الجنود الإسرائيليين وتركهم داخل المبنى قبل أن ينتشلهم متطوعون فلسطينيون في الساعات الأولى بعد انسحاب قوات الجيش من المنطقة، كما يقول شهود عيان لمراسل الأناضول.
مبنى الاستقبال والطوارئ في واجهة المستشفى كان أسوأ حال من سابقه فقد دمرت واجهته بشكل كامل بعشرات القذائف ومئات الطلقات النارية وأحرق من الداخل وتهاوت معظم جدرانه وأتلفت جميع الأجهزة الطبية بداخله، وفق مصادر طبية.
وهذه الصورة للدمار والحرائق انعكست على جميع المباني في المستشفى مثل الولادة والإدارة والكلى والسرطان والحروق، فجميعها تعرضت لعشرات القذائف وأحدث الجنود الإسرائيليون تفجيرات داخل طوابقها وغرفها حتى بات بعضها آيل للسقوط ولا يمكن إعادة ترميمه.
ومن داخل هذه المباني والساحات المحيطة بها انتشل الفلسطينيون جثامين لنحو 50 قتيلاً على الأقل غالبيتها متحللة وأعادوا دفنها في مقابر مؤقتة كانوا قد أقاموها في الساحة الخلفية والشمالية لمجمع الشفاء الطبي.
تلك المقابر لم تسلم أيضا فقد جرف الجيش الإسرائيلي معظمها وأخرج الجثامين منها وظهر على بعضها علامات سحق بجنازير الجرافات العملاقة والآليات العسكرية.
بعد تجاوز المقابر والساحة الخلفية للمستشفى سنصل إلى منطقة سكنية كبيرة كانت الأخيرة في الجزء الغربي من حي الرمال التي لم يطالها دمار كبير خلال الاقتحام الإسرائيلي الأول لمجمع الشفاء الطبي ومحيطه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ولهذا السبب شكلت هذه المنطقة التي تضم آلاف الوحدات السكنية مأوى لمئات الآلاف من النازحين من المناطق المدمرة في حي الرمال والأحياء الشرقية لمدينة غزة، وافتتح الفلسطينيون فيها سوقا كبيرا للأثاث والمواد الغذائية عند مفترق “العباس” الأشهر فيها ما منحها نوعا من الحيوية على مدار 4 أشهر متتالية قبل أن تقع الكارثة.
لكن كل معالم الحياة في هذه المنطقة لم تعد موجودة بل وباتت تنبعث من كل مكان فيها روائح الموت فهناك عشرات من القتلى مازالت جثثهم تحت أنقاض المنازل المدمرة هناك.
في الجزء الشمالي من المنطقة تقع منازل لعائلات “قنيطة” و”حسونة” و”أبو شمالة” و”أبو حصيرة” و”حبوش” و”عجور” كلها نسفت بشكل كامل أو شبه كلي وما تبقى منها طالته النيران امتدادا من بداية شارع “أبو حصيرة” وصولا إلى مفترق ميناء مدينة غزة.
وفي الجهة الجنوبية الغربية لجمع الشفاء كان الفلسطينيون يحاولون إخراج جثامين قتلى من تحت أنقاض منازل لعائلتي “عجور” و”حبوش” ويجمعون أخرى من شارع عمر المختار وينقلوها لدفنها في ساحة المستشفى من جديد.
ولم ينجح المتطوعون في حمل بعض الجثث نظراً لتحللها فنقلوها بواسطة ألواح خشبية أو أغطية قماشية أخرجوها من بين أنقاض المباني المدمرة.
وما كان لافتا في هذه المناطق أن سكانها بدأوا بمحاولة تنظيف وإصلاح عدد من بيوتها فهم رغم الدمار ورائحة الموت التي تنتشر في كل مكان قرروا العودة والسكن فيها فلا مكان أخر يمكن أن يلجأوا إليه في ظل مشاهد الدمار الهائل التي فرضتها القوات الإسرائيلية على جميع مناطق المدينة المنكوبة.