شهر على محاكمة حكومة الاحتلال.. كشف حساب لممارساتها بغزة
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
رغم مرور شهر على إصدار محكمة العدل الدولية أوامر مؤقتة لإسرائيل في قضية “الإبادة الجماعية” التي رفعتها جنوب إفريقيا، إلا أن تل أبيب تواصل يوميا تحدي هذه الأوامر عبر سياسات وإجراءات عسكرية تزيد المعاناة الكارثية لنحو 2.3 مليون فلسطيني بقطاع غزة، وفقا لمصادر محلية وأممية.
وهذه السياسات تشمل استمرار شن هجمات مكثفة وعشوائية على غزة، وتقليص المساعدات الإنسانية الشحيحة أصلا، ومواصلة الاجتياحات البرية في مناطق سكنية، والاعتداء على مستشفيات، ضمن حرب مدمرة مستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي 26 يناير/ كانون الثاني الماضي أمرت محكمة العدل الدولية – أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة – تل أبيب باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية بحق الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل منذ 17 عاما.
كما أمرت المحكمة – مقرها في مدينة لاهاي بهولندا – إسرائيل بتقديم تقرير خلال شهر من صدور القرار الأولي في القضية بشأن بمدى تطبيقها التدابير المؤقتة. وتعتبر الأوامر الصادرة عن المحكمة التي تبت في النزاعات بين الدول ملزمة قانونا، لكنها لا تملك أي وسيلة لتنفيذ أحكامها.
وخلال الحرب، توغل الجيش الإسرائيلي في عمق قطاع غزة وقسّمه إلى قسمين، الأول جنوب وادي غزة ويضم المنطقة الوسطى والجنوبية، والثاني شمال الوادي ويضم محافظتي غزة والشمال، فيما نشر حواجز عسكرية بينهما، ومنع المرور عبرها، بما في ذلك المساعدات الإنسانية، دون الحصول على إذن.
وترصد الأناضول في هذا الإطار أبرز ملامح الخروقات التي ارتكبتها إسرائيل تجاه تدابير المحكمة التي تواصل النظر بالقضية، عبر رصد الأوضاع في غزة حين صدور التدابير وما آلت إليه الآن.
قتل واعتقال وقصف
قبل 26 يناير الماضي، بلغ عدد ضحايا القصف والتوغل الإسرائيلي 25 ألفا و295 قتيلا و63 ألف جريح، فيما ارتفع الاثنين إلى 29 ألفا و782 قتيلا و70 ألفا و43 جريحا، أي أن إسرائيل قتلت خلال شهر 4 آلاف و487 فلسطينيا وأصابت 7 آلاف و43.
كما بلغ عدد الصحفيين الذين قتلتهم إسرائيل، قبل تدابير المحكمة 120، وارتفع حاليا إلى 132، ما يعني أنها قتلت 12 صحفيا خلال الشهر.
وقبل 26 يناير، ألقت إسرائيل نحو 65 ألف طن متفجرات على منازل سكنية في غزة، وحاليا بلغت 70 ألف طن، أي أنها ألقت 5 آلاف طن متفجرات خلال شهر.
والأحد، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في بيان، أن القوات الإسرائيلية اعتقلت ألفين و600 شخص قبل تدابير المحكمة، مشددا على أن العدد ارتفع. لكنه لم يتمكن من تقديم رقم محدد في ظل الظروف الراهنة.
ورفضت إسرائيل، بحسب المكتب، تقديم أي معلومات بشأن مصير المعتقلين أو أماكن احتجازهم؛ بهدف حرمانهم من الحماية القانونية لأطول فترة زمنية ممكنة.
ووفق الإعلامي الحكومي، فإن “الاحتلال الإسرائيلي تعمد معاملة المعتقلين لديه معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة لكرامتهم”.
وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي “اتخذ من مئات المواطنين رهائن كدروع بشرية خلال العدوان وخاصة في أحياء الزيتون والشيخ رضوان والنصر ومخيم المغازي ومنطقة غرب غزة بمدينة غزة”.
اجتياح وشيك لرفح
تحت وطأة قصف مدمر، فرضت إسرائيل النزوح القسري على قرابة مليوني فلسطيني، أغلبهم لجأوا إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع على الحدود مع مصر، مما زاد عدد سكان المدينة، التي كان يعيش فيها نحو 280 ألف نسمة، أكثر من 4 مرات ليتجاوز 1.2 مليون نسمة قبل أيام.
ونظرا للاكتظاظ وعدم توفر مساكن كافية، يكافح غالبية النازحين للعيش في خيام يتم نصبها من مواد بسيطة منها النايلون والأقمشة وصفائح الحديد المتهالكة (زينكو)، بحسب السلطات الفلسطينية.
وفي 12 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، شهدت رفح ليلة دامية، إذ خلَّفت غارات إسرائيلية عشرات القتلى والجرحى.
وبدأت الحكومة الإسرائيلية منذ 1 فبراير/شباط الجاري، إصدار إشارات إلى اعتزامها اجتياح رفح بقوات برية؛ بزعم وجود كتائب مسلحة تابعة لحركة “حماس”.
وفي 24 من الشهر ذاته، أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه يعتزم إقرار “خطط عملياتية” خلال أيام بشأن رفح، متحديا تحذيرات إقليمية ودولية من التداعيات المحتملة على حياة السكان والنازحين، الذين دفعتهم إسرائيل جنوبا؛ بزعم أنها منطقة آمنة.
تدمير المنظومة الصحية
في 22 يناير، بدأت إسرائيل سلسلة غارات مكثفة جوية ومدفعية على مدينة خانيونس جنوب القطاع وفي محيط مستشفياتها، بالتزامن مع تقدم قواتها البرية والآليات في المناطق الجنوبية والغربية منها؛ مما دفع آلاف الفلسطينيين إلى النزوح عن المدينة.
وفي الأول من نوفمبر، اقتحم الجيش الإسرائيلي ساحة مستشفى “الأمل” التابع لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في خانيونس، بعد مرور 10 أيام من حصاره.
وقصف الجيش مبانٍ داخل المستشفى وخطوط المياه؛ مما أدى إلى مقتل نازحين، واعتقال 7 من طواقم الهلال الأحمر، إلى جانب قطع وسائل الاتصالات المختلفة وخدمة الإنترنت؛ مما تسبب في تعقيد عمليات الإغاثة والرعاية الصحية.
وفي 15 فبراير، داهم الجيش “مستشفى ناصر” بخانيونس، بعد مضي نحو ثلاثة أسابيع من حصاره، وقتل فلسطينيين داخله واحتجز آلافا آخرين، بينهم أفراد من الطاقم الطبي ونازحون لجأوا إليه للحصول على الرعاية الطبية.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة بعد 5 أيام، عن وفاة ثمانية أشخاص في غرفة العناية المركزة؛ جراء قطع إسرائيل الكهرباء عن المشفى وإيقاف جهاز الأكسجين، وتكدس أطنان من النفايات الطبية وغيرها في أقسام وساحات المشفى، وتدفق مياه الصرف الصحي في أقسام الطوارئ والأشعة.
وقبل تدابير المحكمة، أخرجت إسرائيل 30 مستشفى عن الخدمة بالقصف والتدمير والحرمان من الإمدادات، وارتفع العدد حاليا إلى 31 مستشفى.
كما استهدفت 150 مؤسسة صحية جزئيا، قبل التدابير، وارتفع العدد إلى 152 حاليا، وفقا للمكتب الإعلامي الحكومي.
تقليص المساعدات الإنسانية
وقبل صدور تدابير محكمة العدل الدولية بأسبوعين، دخل إلى غزة ما متوسطه 156 شاحنة مساعدات يوميا، رغم أن عدد الشاحنات المسموح به كان بالمتوسط 93، وفقا لبيانات حصل عليها مراسل الأناضول من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
لكن بحسب مدير عام المكتب الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة للأناضول، فإنه منذ صدور التدابير، وصل إلى غزة 119 شاحنة مساعدات أساسية، بمعدل 4 شاحنات يوميا، مما يعني أن إسرائيل قلصت عدد شاحنات المساعدات.
ولا تلبي المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع عموما سوى 7 بالمئة من احتياجات السكان من كافة المستلزمات الغذائية والإغاثية، وفقا لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ومنذ اندلاع الحرب، تعاني غزة من شح إمدادات الغذاء والماء والدواء والوقود جراء قيود إسرائيلية؛ مما تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة وباتت مناطق عديدة في القطاع على شفا المجاعة، وفقا للأمم المتحدة.
مجاعة شمال غزة
وتحذر الأمم المتحدة من أن 2.3 مليون فلسطيني معرضون لخطر المجاعة في القطاع جراء الحرب الإسرائيلية.
وفي 16 فبراير، أعلن “أوتشا” أنه بين 1 يناير و12 فبراير رفضت إسرائيل وصول 51 بالمئة من البعثات التي خططت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لإيصال المساعدات وإجراء تقييمات في المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة.
وبحسب الأمم المتحدة، تشير التقارير إلى تزايد المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء القطاع، إذ يتزايد عدد الأسر التي تكافح لإطعام أطفالها، ويزداد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع شمال القطاع.
وأفاد “أوتشا” بأن أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمال غزة مُنعت من الوصول في يناير، ويوجد تدخل متزايد من الجيش الإسرائيلي في كيفية ومكان تسليم المساعدات، وبات نحو 300 ألف شخص في الشمال محرومون إلى حد كبير من الحصول على المساعدات ويواجهون خطر المجاعة.
ولجأ سكان غزة والشمال إلى طحن علف الحيوانات للحصول على الدقيق اللازم لإعداد الخبز وضمان بقائهم على قيد الحياة، لكن حتى مخزون الأعلاف يتضاءل بشكل كبير.
ويعاني سكان الشمال من ظروف كارثية، إذ يمضون أياما دون طعام، ويتحمل الكبار الجوع لتوفير طعام ولو شحيح للأطفال.
دمار شامل
واصل الجيش الإسرائيلي بعد قرار المحكمة التدمير العشوائي والمتعمد للمدن والقرى والمباني التعليمية والعلمية والدينية.
ولا تتوفر إحصائيات محددة حول المنشآت التي تم تدميرها بعد قرار المحكمة، لكن بيانات حكومية فلسطينية تشير إلى أن الجيش دمر أكثر من 500 مسجد وكنسية وأكثر من 300 جامعة ومدرسة، وأكثر من 360 ألف وحدة سكنية مدنية، وأكثر من 31 مستشفى، وعشرات المراكز الحيوية المدنية.
وعمل الجيش الإسرائيلي خلال يناير على نسف جامعة الأقصى بمدينة غزة وعشرات المباني السكنية بالمدينة وخانيونس ورفح (جنوب)، إضافة لقصفه مسجدين بمدينة رفح قبل نحو أسبوعين.
فاجعة الطفلة هند
في 10 فبراير، عُثر على جثمان الطفلة هند رجب (6 سنوات) و5 من أفراد عائلتها بعد 12 يوما من فقدان الاتصال بها، بعد أن حاصرتها دبابات إسرائيلية داخل سيارة وقتلت أفرادا من أقربائها قرب محطة للمحروقات بمدينة غزة.
هند توسلت عبر الهاتف لمسؤولي الهلال الأحمر لينقذوها من السيارة التي كانت بداخلها مع أقاربها الذين أعدمهم الجيش الإسرائيلي بالرصاص، لكن طواقم الإسعاف عجزت عن الوصول إليها بسبب كثافة النار واستهداف الجيش لكل ما يتحرك.
وظلت الطفلة ثلاث ساعات تخبر طواقم الهلال الأحمر بأنها خائفة بين جثث أقاربها في السيارة. وبعد أيام من هذا الاتصال الأخير، عثرت فرق الإسعاف على جثمان هند، وكانت قد فارقت الحياة منذ اليوم الذي أطلقت فيه استغاثتها، فضلا عن جثماني مسعفين خرجا لإنقاذها.
آنذاك، أعربت الولايات المتحدة – أكبر داعم لإسرائيل – عن صدمتها إزاء الوفاة “المفجعة” لهند، ودعت إلى تحقيق عاجل.
وللمرة الأولى منذ قيامها عام 1948، تخضع إسرائيل حاليا لمحاكمة أمام محكمة العدل الدولية؛ بتهمة ارتكاب جرائم “إبادة جماعية” بحق الفلسطينيين.
كما تعقد المحكمة جلسات استماع لأكثر من 50 دولة، تمهيدا لإصدار رأي استشاري طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.