محاولة اغتيال الكاظمي.. الدوافع والنتائج المحتملة
محاولة اغتيال الكاظمي.. الدوافع والنتائج المحتملة
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
قوبلت محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، فجر الأحد 7 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بحملة إدانات محلية ودولية واسعة.
محليا، صدرت الإدانات عن معظم قيادات الفصائل والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، كما أدانتها بلدان بينها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ودول عربية منها سوريا وإسلامية بينها تركيا، بالإضافة إلى منظمات إقليمية ودولية، مثل الأمم المتحدة.
وأبدت واشنطن استعدادها لتقديم الدعم لعملية التحقيق في محاولة الاغتيال، بينما اعتبرتها طهران، اللاعب الدولي الأكثر تأثيرا في العراق، “مؤامرة خارجية”.
واختلفت مستويات الإدانة من بعض قيادات المجموعات الشيعية المسلحة مع شكوك بصحة الرواية الحكومية، فيما اعتبرتها قيادات أخرى محاولة لخلط الأوراق وصرف الأنظار عن مقتل متظاهر أو أكثر، الجمعة 5 نوفمبر، من محتجي القوى الخاسرة في انتخابات برلمانية مبكرة أُجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي هي أجنحة سياسية لتلك المجموعات المسلحة.
وقالت السلطات العراقية إن محاولة الاغتيال نُفذت بثلاث طائرات مسيرة مفخخة بمتفجرات، أسقطت قوات أمنية اثنتين منها، بينما سقطت الثلاثة في مقر إقامة الكاظمي داخل “المنطقة الخضراء” وسط العاصمة بغداد، ما أصاب عددا من حراسه.
ولم تتبن أي جهات معروفة هجمات مماثلة بطائرات مسيرة وصواريخ على قواعد تتواجد فيها قوات أمريكية أو على السفارة الأمريكية أو “المنطقة الخضراء” شديدة التحصين وغيرها.
كما أن الحكومة العراقية لم توجه اتهامات لأي جهة بالمسؤولية عن تلك الهجمات، ولم تعلن عن نتائج لجان تحقيق شكلتها بعد كل هجوم.
ولا يبدو أنه سيكون لمحاولة الاغتيال نتائج تتعدى مواقف الإدانة المحلية والدولية، إذ بات مألوفا أن تواصل جهات مسلحة خارج سلطة الدولة القيام بأنشطة كهذه، سواء استهداف مواقع سيادية عراقية أو مواقع تستضيف قوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وستكتفي حكومة الكاظمي بتشكيل لجنة تحقيق دون أن تسفر عن أي نتائج حتى مع الوصول إلى الجهات الفاعلة، وهي معروفة للحكومة.
وكثيرا ما توصلت تحقيقات إلى فاعلين حقيقيين استهدفوا “المنطقة الخضراء” أو مصالح أمريكية أو قتلوا نشطاء، دون اتخاذ أي إجراءات عملية لمحاسبة المتورطين، إلا في حالات نادرة اعتقلت فيها الأجهزة الأمنية منفذين دون محاسبة الجهات التي تقف خلفهم، أو الكشف عنها للرأي العام؛ لأنها جهات متنفذة تتمتع بقدرات وإمكانيات تتفوق أحيانا على نظيرتها لدى القوات الأمنية.
ومنذ إعلان مفوضية الانتخابات (رسمية)، في 16 أكتوبر الماضي، النتائج الأولية للانتخابات سجلت القوى الخاسرة مواقف تراوحت بين الدعوة إلى احتجاجات واعتصامات سلمية والتلويح أحيانا باللجوء إلى خيار السلاح أو المطالبة بإعادة الفرز والعد اليدوي لـ”جميع” مراكز الاقتراع، وهو ما رفضته المفوضية؛ لأنه بحاجة إلى قرار من المحكمة الاتحادية العليا.
وكان التصعيد الأهم اعتبارا من دعوة اللجنة التحضيرية للتظاهرات والاعتصامات الرافضة لنتائج الانتخابات، عبر بيان الخميس 4 نوفمبر، إلى مظاهرات سلمية عند بوابات “المنطقة الخضراء”، تحت مسمى “جمعة الفرضة الأخيرة”، لمطالبة المفوضية بإعادة الفرز والعد يدويا أو إلغاء نتائج الانتخابات بالكامل.
وعصر “جمعة الفرصة الأخيرة” 5 نوفمبر، اندلعت اشتباكات قرب “المنطقة الخضراء” بين متظاهرين رافضين للنتائج وقوات أمنية، ما أسفر عن مقتل شخص إلى ثلاثة، وفق روايات متعددة.
وبين القتلى، القيادي في حركة “عصائب أهل الحق”، عبد اللطيف الخويلدي، وهو “معاون أمر لواء 42″، أحد ألوية الحركة ضمن “الحشد الشعبي”، وأقيم له مجلس عزاء قرب بوابة “المنطقة الخضراء” حضره مسؤولون كبار في الحكومة وقادة الجيش والقوات الأمنية و”الحشد الشعبي” والمجموعات الشيعية المسلحة.
وبالنسبة للتوقيت، جاءت محاولة اغتيال الكاظمي بعد يومين من مقتل “الخويلدي”، في اشتباكات إثر محاولة المحتجين اقتحام “المنطقة الخضراء”، والتي رأى محللون أنها كانت تستهدف اغتيال الكاظمي، الذي قال بعد محاولة اغتياله الأخيرة إنه تعرض خلال الأسابيع الأخيرة لثلاث محاولات اغتيال.
ووفقا لوسائل إعلام محلية، فإن جهات مجهولة أطلقت في ساعة متأخرة من ليل 31 أكتوبر الماضي، ثلاثة صواريخ على مبانٍ حكومية قريبة من مبنى جهاز المخابرات الوطني في منطقة “حي المنصور” على مسافة نحو 4 كيلومترات عن “المنطقة الخضراء”، وكانت تستهدف اغتيال الكاظمي، لكنه غادر المبنى قبل وقت قصير من سقوط الصواريخ.
ومنذ تسميته مرشحا توافقيا لرئاسة الوزراء، في مايو/ أيار 2020، تعهد الكاظمي بحصر السلاح بيد الدولة، لكنه اتخذ خطوات “خجولة” في هذا الاتجاه بعد استلامه منصبه رسميا، مثل اعتقال “خلية صواريخ الكاتيوشا”، التابعة لكتائب “حزب الله العراق”، في يونيو/ حزيران من العام نفسه.
غير أنه أُرغم على الإفراج عنهم، بعد أن سيّرت المجموعات الشيعية المسلحة عشرات العجلات والمسلحين في شوارع العاصمة وطوقت واقتحمت “المنطقة الخضراء”، دون أن تتصدى لهم قوات الأمن المكلفة بحراسة المنطقة.
ومع افتراض امتلاك الكاظمي الإرادة لاتخاذ قرار المواجهة، فإنه يدرك تماما الثمن الباهظ الذي يترتب على مواجهة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، والمسؤولة عن معظم ما يجري من حوادث مخلة بالأمن والاستقرار، لذلك ستبقى الدولة العراقية “عاجزة أو مترددة” في مواجهة مثل هذه التهديدات.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصادر مقربة من الكاظمي (لم تسمها) قولها إنه بعد ساعات من محاولة اغتياله كلف رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي (2014-2018)، العضو في الإطار التنسيقي، بنقل رسالة إلى القيادي في “الحشد الشعبي” هادي العامري، الحليف الأوثق لطهران.
وهذه الرسالة، وفق المصادر، يبلغ فيها الكاظمي الفصائل المسلحة بأن صبر حكومته قد نفد، وأنه لا يمكن السكوت أكثر على الخروقات الأمنية الأخيرة عند بوابات “المنطقة الخضراء” واستهداف منزله، وأنه يمتلك معلومات عن الجهات المتورطة في الفوضى الأمنية الأخيرة، وقواته قادرة على اعتقال كل المتورطين، لكنها لن تفعل حفاظا على السلام، وتجنبا للاقتتال الداخلي في هذه المرحلة.
وثمة إجماع على أن المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران هي وحدها الجهة القادرة على شن هجمات صاروخية أو بطائرات مسيرة لا تمتلكها جهات مسلحة أخرى في فصائل “الحشد الشعبي” ولا التنظيمات الإرهابية ولا العشائر.
ولجأت تلك المجموعات إلى تبني عملياتها التي كانت تستهدف السفارة الأمريكية وقواعد تتواجد فيها قوات أمريكية وأجنبية، عبر فصائل جديدة غير معروفة، مثل “أصحاب الكهف” و”سرايا أولياء الدم” وغيرهما من مسميات يُعتقد أنها واجهات للمجموعات الشيعية المسلحة المعروفة، مثل كتائب “حزب الله العراق” و”سيد الشهداء” و”عصائب أهل الحق” وغيرها.
ومن المؤكد أن أي تصعيد قادم بحاجة إلى قرار من قيادات المجموعات الشيعية المسلحة بالتنسيق مع إيران، التي ربما لن توافق على إدخال العراق في فوضى أمنية تقوده إلى المجهول.
لكن في كل الأحوال، فإن مستوى الخلافات بين قيادات المجموعات الشيعية المسلحة والكاظمي، بعد أحداث “جمعة الفرصة الأخيرة”، قطعت الطريق أمام احتمال توليه رئاسة الحكومة لولاية ثانية، وهو ما يخالف التوقعات السابقة ورغبة الكثير من الدول العربية والولايات المتحدة.