“طعنة أوكوس”.. هل تُفقد باريس الثقة بواشنطن؟
“طعنة أوكوس”.. هل تُفقد باريس الثقة بواشنطن؟
شبكة أخبار تركيا للناطقين باللغة العربية :
حرمانها من صفقة بـ66 مليار دولار أمريكي، واستبعادها من تحالف أمني استراتيجي موجه لمنطقة تمتلك فيها مصالح كبيرة.. سببان كافيان لإثارة غضب بل و”جنون” فرنسا، التي اعتبرت أنها تعرضت لـ”خيانة” وتلقت “طعنة في الظهر”.
بعد الكشف عن تحالف أمني دفاعي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في مواجهة الصين، يوم 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، ألغت كانيبرا صفقة موقعة عام 2016 مع باريس بقيمة 90 مليار دولار أسترالي (66 مليار دولار أمريكي) لشراء 12 غواصة فرنسية تعمل بالديزل والكهرباء، وقررت شراء أخرى أمريكية عاملة بالوقود النووي.
هاتان الصدمتان دفعتا باريس إلى إطلاق تصريحات شديدة اللهجة ضد كل من الولايات المتحدة وأستراليا، واستدعاء سفيريها في واشنطن وكانبيرا للتشاور، في سابقة هي الأولى من نوعها.
ربما يرى البعض أن الصدمة الكبرى لفرنسا هي إلغاء أستراليا صفقة الغواصات معها، لكن الأمر أبعد من ذلك، فالصفقة بالنسبة لباريس كانت هي إقامة شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع كانبيرا.
وقال بيتر ريكتس، السفير البريطاني السابق لدى فرنسا، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إن الأزمة الحالية “ليست مجرد خلاف دبلوماسي، واستدعاء السفيرين هو غيض من فيض”.
وأضاف: “لدى فرنسا شعور عميق بأنها تعرضت لخيانة؛ فالمشكلة ليست صفقة أسلحة فحسب”.
وأوضح أن “فرنسا كانت تقيم شراكة استراتيجية مع أستراليا، والأستراليون ضربوا بهذه الشراكة عرض الحائط وتفاوضوا من وراء فرنسا مع الحليفين في الناتو (حلف شمال الأطلسي)، الولايات المتحدة وبريطانيا، واستعاضوا عن تلك الصفقة بأخرى مختلفة تماما”.
** مصير الاتحاد الأوروبي
التحالف الجديد بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا حمل اسم “أوكوس”، وظهر للعلن بعد مفاوضات سرية، تم استبعاد فرنسا منها.
وجرى الكشف عن هذا التحالف عشية إعلان الاتحاد الأوروبي استراتيجيته لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، مما دفع محللين إلى التساؤل عما إذا كان “أوكوس” سيقوض الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنه يظهر أن واشنطن منحازة للندن، التي انفصلت عن الاتحاد.
وجاء التحالف وسط منافسة متزايدة بين القوى العظمي مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأعقب سحب واشنطن قواتها من أفغانستان وبطارياتها الدفاعية من السعودية، للتركيز أكثر على تلك المنطقة في مواجهة بكين.
إلغاء صفقة الغواصات مع فرنسا واستبعادها من تحالف “أوكوس” يمثل انتكاسة كبيرة لاستراتيجية باريس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، المبنية على شراكات مع الهند وأستراليا، ويهددان صفقات أخرى موقعة أو تعمل شركات دفاعية فرنسية على الاستحواذ عليها في المنطقة، لا سيما مع الهند واليابان.
وتعبيرا عن غضبها، ألغت فرنسا “حفل صداقة” مع الولايات المتحدة كان مقررا بواشنطن، في 17 سبتمبر الجاري، وهي الذكرى السنوية الـ240 لمعركة “تشيزبيك”، التي انتصرت فيها واشنطن بمساعدة البحرية الفرنسية في حرب الاستقلال ضد بريطانيا.
ولم تكتف فرنسا بذلك، إذا أطلقت على لسان وزير خارجيتها، جان إيف لودريان، تصريحات حادة، اعتبر فيها أن ما حدث هو “طعنة في الظهر، وأمر لا يمكن أن يحدث بين الحلفاء”.
وأصدر لودريان بيانا مشتركا مع وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، منتصف سبتمبر الجاري، جاء فيه: “نأسف للخيار الأمريكي استبعاد حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا من شراكة منظمة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحديات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ”.
ويكشف هذا التصريح أن فرنسا ليست منزعجة وغاضبة لحرمانها من صفقة ضخمة محتملة فحسب، بل لأن الولايات المتحدة همشتها واستبعدتها من التحالف الثلاثي الأمني الاستراتيجي.
** ثقة على المحك
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قالت إن العديدين في فرنسا قد ينظرون إلى صفقة الغواصات ضمن تحالف “أوكوس” على أنها تأكيد على أنه لا يمكن الوثوق بالحليف الأمريكي حتى في حقبة ما بعد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب (2017-2021).
ولا يخفى أن فرنسا كانت متفائلة بإدارة الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، وأظهرت استطلاعات الرأي ابتهاج الفرنسيين بخسارة ترامب في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
لكن باريس اكتشف الآن على ما يبدو أنه لا فرق بين إدارتي ترامب وبايدن، وهو ما يتضح في تصريحات مسؤولين فرنسيين، بينهم لودريان الذي قال إن الخطوات الأمريكية “الوحشية وأحادية الجانب تشبه كثيرا ما يفعله ترامب”.
** صفقة ضخمة
تحت عنوان “جن جنون فرنسا”، قالت مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكية إن واشنطن انتزعت من باريس صفقة غواصات مع كانبيرا بقيمة 66 مليار دولار.
وتابعت: “ما زاد الطين بلة هو أن صفقة الغواصات ستعزز اتفاقية دفاع بحري جديدة بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي اتفاقية لم تتم دعوة فرنسا إليها”.
** امتصاص للغضب
محاولا امتصاص غضب باريس، قال بايدن إن بلاده “تتطلّع للعمل بشكل وثيق مع فرنسا وشركاء رئيسيين آخرين” في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
وأضاف أن “فرنسا بالخصوص لديها وجود مهمّ في منطقة الأطلسي-الهندي، وهي شريك وحليف أساسي”.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، إيميلي هورن: “نتفهم الموقف الفرنسي، وسنعمل في الأيام المقبلة على حل خلافاتنا”.
وأردفت: “فرنسا هي أقدم حليف لنا وأحد أقوى شركائنا، ولدينا تاريخ طويل من القيم الديمقراطية المشتركة والالتزام بالعمل معا لمواجهة التحديات العالمية”.
كانبيرا بدورها اعتبرت أن قرارها إلغاء الصفقة مع باريس مرتبط بمصالح الأمن القومي الأسترالي، لكنها قالت أيضا إنها تتفهم “خيبة أمل” فرنسا العميقة.
في النهاية، ووفقا لما كتبته صوفي مونييه، وهي باحثة أمريكية في مقال لـ”واشنطن بوست”، فإن “طعنة الظهر” التي تعرضت لها فرنسا تمثل خسارة اقتصادية مباشرة، وتقويضا غير مباشر للتكامل الأوروبي، وتبديدا للآمال حول تجدد التقارب الدبلوماسي مع الولايات المتحدة في حقبة ما بعد ترامب.